{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} أي قرب ودنا وقت حساب الناس على أعمالهم { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} أي وهم مستغرقون في الشهوات، غافلون عن ذلك اليوم الرهيب، لا يعملون للآخرة ولا يستعدون لها كقول القائل: الناس في غفلاتهم: ورَحى المنيَّة تطحن، وإِنما وصف الآخرة بالاقتراب لأن كل ما هو آتٍ قرب {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} أي ما يأتيهم شيءُ من الوحي والقرآن من عند الله متجدّد في النزول فيه عظةٌ لهم وتذكير {إِلا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ} أي إِلاّ استمعوا القرآن مستهزئين قال الحسن: كلما جُدّد لهم الذكرُ استمروا على الجهل {لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} أي ساهيةً قلوبهم عن كلام الله، غافلةً عن تدبر معناه {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} أي تناجى المشركون فيما بينهم سراً { هَلْ هَذَا إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} أي قالوا فيما بينهم خفيةً هل محمد الذي يدّعى الرسالة إِلا شخص مثلكم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ؟ {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} أي أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر ؟ قال الألوسي: أرادوا أن ما أتى به محمد عليه السلام من قبيل السحر، وذلك بناءً على ما ارتكز في اعتقادهم أن الرسول لا يكون إِلا ملكاً وأن كل ما جاء به من الخوارق من قبيل السحر وعنوا بالسحر القرآن {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} أي قال محمد صلى الله عليه وسلم إِنَّ ربي لا يخفى عليه شيء مما يقال في السماء والأرض {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} أي السميع بأقوالكم، العليم بأحوالكم، وفي هذا تهديدٌ لهم ووعيد {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ} هذا إِضرابٌ من جهته تعالى وانتقال إلى ما هو أشنع وأقبح حيث قالوا عن القرآن إِنه أخلاط منامات {بَلْ افْتَرَاهُ} أي اختلقه محمد من تلقاء نفسه {بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} أي بل محمد شاعر وما أتى به شعر يخيل للسامع أنه كلام رائع مجيد قال ابن جزي: حكى عنهم هذه الأقوال الكثيرة ليظهر اضطراب أمرهم وبطلان أقوالهم فهم متحيرون لا يستقرون على شيء {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ} أي فليأتنا محمدٌ بمعجزةٍ خارقة تدل على صدقه كما أُرسل موسى بالعصا وصالح بالناقة {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} أي ما صدَّق قبل مشركي مكة أهل القرى الذين اقترحوا على أنبيائهم الآيات بل كذبوا فأهلكهم الله أفيصدّق هؤلاء بالآيات لو رأوها ؟ كلا قال أبو حيان: وهذا استبعادٌ وإِنكار أي هؤلاء أعتى من الذين اقترحوا
على أنبيائهم الآيات فلو أعطيناهم ما اقترحوا لكانوا أضلَّ من أولئك واستحقوا عذاب الاستئصال ولكنَّ الله تعالى حكم بإِبقائهم لعلمه أنه سيخرج منهم مؤمنون.